Admin Admin
عدد المساهمات : 513 تاريخ التسجيل : 21/09/2008
| موضوع: أين الله عندما نتألّم؟ الأحد مارس 29, 2009 11:48 am | |
| يعرض علينا سفر أيّوب مسألة فلسفيّة أساسيّة، لطالما شغلت بال الناس في العهد القديم وحتّى في زمننا الحاضر،
وهي لماذا يتألّم البارّ؟ خاصّة وأنّ المعتقد العام السائد في فترة العهد القديم، وحتّى في كنائسنا ومجتمعاتنا اليوم بأنّ
الألم يحدث للشخص نتيجة الخطيّة أو ما يعرف لدى العالم بالشرّ. فمن يزرع الشرّ إيّاه يحصد، ولكنّنا نجد أنفسنا
وجها لوجه مع شخصيّة أيّوب التقيّة، الذي كان بلا لوم أمام الله وأمام الناس ممّا يضع أمامنا صعوبة تقع عائقاً بيننا
وبين فهم سبب الألم في حياته. هذا السؤال القديم/الجديد يجرّ معه العديد من الأسئلة الأخرى التي يثيرها السفر،
إن كان الله رحيماً، رؤوفاً بخلقه، عادلاً، فلماذا يسمح بأن يحدث كلّ ما حدث لأيّوب؟ لماذا لم يتدخّل الله ويمنع الشيطان؟
لماذا سمح الله للشيطان منذ البداية بأن يجرّب أيّوب؟ وهل الله يجرّب؟ إلى آخره من الأسئلة المحيّرة التي تفرض نفسها
على القارئ للوهلة الأولى من قرائته للسفر.
يقدّم لنا السفر صورة رائعة ومثاليّة عن إنسان بارّ، وبسبب سلوكه التقيّ أنعم الله عليه ببركات أرضيّة لا تحصى ولا تعدّ
(أيّوب 1: 1-5). فهو شخص مثاليّ في خصاله وتصرّفاته، تعرّض للعديد من الويلات في حياته بسبب خطية لم يرتكبها،
و الكاتب لا يضع اللّوم على الله فيما حدث لأيّوب بأيّة طريقة ما، ولا بشكل صريح على الشيطان، ولكنّه يدخلنا في إطار
يفرض على القارئ أن يتفحّص كلّ شيء بعين ناقدة. ولكن لماذا إذاً وقع ما وقع لأيّوب؟ ولماذا أصابته البلوى إن كان
بهذه الإستقامة ويتمتّع بحظوة خاصّة لدى الله؟
يظهر في سفر أيّوب أنّ ألمه كان نتيجة لتدخّل الشيطان وتشكّيه على عبد الله البارّ أيّوب (أيّوب 1: 9) كسبب بديهي
يظهر للعيان، و لكلّ من يتطّلع ويتفحّص هذا الكتاب يتسائل لماذا تحصل الأمور الشريرة للأشخاص الأتقياء؟ يبدأ
أيّوب حديثه عن معاناته! –وهذا يذكّرنا في الإستعارة التالية لمقطع من إرميا الذي تألّم كثيرا إلى درجة أنّه تمنّى الموت،
أو بشكل آخر تمنّى لو أنّه لم يولد.
«لَيْتَهُ بَادَ الْيَوْمُ الَّذِي وُلِدْتُ فِيهِ، وَفَنِيَ اللَّيْلُ الَّذِي قِيلَ فِيهِ: قَدْ حُبِلَ بِطِفْلٍ ذَكَرٍ. لِيَتَحَوَّلْ ذَلِكَ الْيَوْمُ إِلَى ظَلاَمٍ. لاَ يَرْعَاهُ اللهُ مِنْ فَوْقُ، وَلاَ يُشْرِقُ
عَلَيْهِ نَهَارٌ... لأَنَّهُ لَمْ يُغْلِقْ رَحِمَ أُمِّي وَلَمْ يَسْتُرِ الشَّقَاءَ عَنْ عَيْنَيَّ" (أيّوب 3: 3،4، 10/ إرميا 20: 14-18)
- يبدأ من بعدها أيّوب في سؤال الله عن سبب عذابه ويقوم أصحابه: أليفاز، بلدد، صوفر بتقديم مجموعة من الإجابات
والمحاولات لتبرير ألمه. فالإجابة الأولى التي خطرت على ذهن أصدقائه -كما هو متداول في عقليّة وفكر الناس
في ذلك الوقت و إلى الآن- بأنّ الألم هو نتيجة للخطية؛ لكنّنا نتفاجئ بموقف أيّوب الغير مقتنع بهذه الإجابات
أو التبريرات لآلامه؛ ففي(أيّوب 7: 20، 21) نجده وكأنّه يثور على الله لعدم إقتناعه بالمصيبة التي حلّت به
لكونه لا يرى عيبا أو خطية إرتكبها يستحقّ لأجلها كلّ هذا العقاب! سؤال أيّوب يمكن أن يطرح بطريقة أخرى
وهو كيف يسمح إله عادل بأن يتألّم شخص بارّ؟ وهنا يتدخّل أليهو في محاولة للتخفيف عن أيّوب، وتفسير ما يحصل له؛
على أنّ ألمه ربّما طريقة ومحاولة من الله لإبعاده عن طريق خاطئ قد كان سيسلكه أيّوب، ويؤكد أليهو بذلك على عدالة الله
من خلال تدخّله، ويصبح بذلك الألم تعبيراً عن رحمة الله؛ هذا التفسير يجعلنا نفهم من أنّ عذاب البارّ، ليس بالضرورة نتيجة
حتميّة لتصرّف أقدم عليه هو بنفسه؛ وهذا ما كان يفكّر فيه أيّوب في البداية، ويظهر ذلك من خلال قوله:
(أيّوب 1: 5) «لِئَلاَّ يَكُونَ بَنِيَّ قَدْ أَخْطَأُوا فِي قُلُوبِهِمْ وَجَدَّفُوا عَلَى اللهِ».
لم يقدّم الله إجابة لأيّوب عن سبب ألمه، بل وجّه إنتباهه لتركيز نظره على عمل الله في حياته.
وبالمقابل يذهب بعض المفسّرين إلى القول بأنّ دور الله يبرز هنا، في أنّ شرط مباركة البارّ مرتبطة بمدى إستعداده
على تطوير نفسه والسموّ بها نحو البرّ الحقيقي(أخبار الأيّام الثاني 7: 14)؛ وهو الأمر الذي كان يحتاج أيّوب أن يفهمه؛
بل كلّ من يريد أن يكون بارّا، عليه أن يكون مستعدّّا لتحمّل نتائج الأمر الذي يعمل لأجله، والذي يريد منه أن يجني بركات
ماديّة أو روحيّة كانت.
إنّ الله غير ملزم بأن يجلب بركاته على البارّ فقط، لأنّه بارّ، وإنّما الحياة هي معقّدة بشكل أكبر ممّا نتخيّله، لذلك فهي ليست
دائماً فراشا مخمليّا من الورد يتمشّى عليه البار،ّ وإنّما هنالك أيضا شوك وآلام للبارّ كما لغير البارّ، وهذا هو مغزى
وملخّص حكمة الله التي أراد كاتب السفر بأن يبرزها. أراد سفر أيّوب أن يعلّمنا أنّهّ ليس هناك شخص بارّ أمام الله،
لأنّ الكتاب يخبرنا بأنّ الجميع أخطأوا وأعوزهم مجد الله (رومية 3: 23). وهذه كانت مشكلة أيّوب الأساسيّة
ومشكلتنا جميعا، كبريائنا يمنعا من الوصول إلى أوج وعمق العلاقة مع الله التي هي رحمة وإحسان للّذين يخافونه.
فالله رحيم وحنّان يتدخّل في أسوأ الأحوال التي تحلّ بنا ليحوّل الشرّ الذي يحلّ بنا إلى خير، الله الرؤوف،
يتأنّى في تعامله مع الشرّ الذي نقترفه ليعطي الخاطئ الفرصة للتوبة؛ أليس هو القائل:
" تَعَالَوْا نَتَحَاجَجْ يَقُولُ الرَّبُّ، إِنْ كَانَتْ خَطَايَاكُمْ كَلَطَخَاتٍ قِرْمِزِيَّةٍ فَإِنَّهَا تَبْيَضُّ كَالثَّلْجِ، وَإِنْ كَانَتْ حَمْرَاءَ كَصَبْغِ الدُّودِيِّ
تُصْبِحُ فِي نَقَاءِ الصُّوفِ" (إشعياء 1: 18).
هذه هي صورة الله التي تجسّدت في شخص الربّ يسوع ، معبّرا من خلالها الله عن قمّة محبّته ورحمته للبشر. | |
|