** نجد هذه القصة في ( ملوك الثاني 4 : 8 _ 37 ) دعونا نتأملها : " ذهب النبي أليشع إلى شونم، وهيّ بلد تقع على بعد خمسين ميل إلى الشمال من أورشليم وسبعة أميال نحو الجنوب من
الناصرة، وفي هذه البلد تقابل مع هذه المرأة العظيمة التي أمسكت به ليأكل ويشرب عندها، وهكذا أصبح أليشع في كل مرة
يعبر هذه البلد يميل عند تلك المرأة ليأكل ويشرب ويستريح، وفي يوم طلبت المرأة من زوجها أن تقوم ببناء عُليَّة ( جحرة
للراحة والصلاة ) لاليشع لأنها عرفت أنه رجل الله، وبالفعل قامت المرأة بتجهيز تلك العُليَّة بكل ما يحتاج إليه اليشع، وفي
يوم مال إليهم أليشع وغلامه جيحزي، واستراح في المكان المعد له، وطلب من جيحزي أن يستدعي له هذه المرأة، وعندما
وقفت أمامه طلب منها أن تطلب ماتشاء جزاء لكرمها وتعبها معه، ولكن كانت المرأة راضية بحالها وشاكرة ولم تطلب
شيئاً، فأشار النبي اليشع غلامه، فقال له أن هذه المرأة ليس عندها ولد وزوجها قد شاخ، عندها أستدعى أليشع المرأة مرة
أخرى وقال لها :" بعد سنة وفي نفس هذا الميعاد سيكون لك أبناً ".
فعلاً بعد سنة كان لهذه المرأة أبن، وسنة بعد سنة كبر هذا الولد وكان يذهب عند أبيه في الحقل ليلعب، ولكن في يوم وهو
يلعب أصابته ضربة شمس وقال لأبيه " رأسي ... رأسي "، فطلب أبيه من غلمانه أن يحملوه لأمه، وأخذته امه وحاولت
علاجه ولكن عند الظهيرة مات الولد وهو بين ذراعيها. إن هذه المرأة تعرضت لأسوء أمر ممكن أن تتعرض له أم وهيّ
فقدان أبنها، وليس هذا فقط بل كانت الفاجعة أصعب حيث أن هذه الأم فقدت أبنها الوحيد الذي رزقها الله به بعد سنوات من
الحرمان ...
ومع ذلك لم تفقد تلك المرأة سلامها بل وضعته على سرير رجل الله في العُليَّة، وأخبرت زوجها أنها تريد أحد الغلمان
وأحدى الأتن كي تذهب لرجل الله، وعندما سألها زوجها عن السبب قالت " سلام " !!
أنطلقت المرأة لرجل الله الذي ما أن رآها من بعيد حتى ارسل غلامه جيحزي ليسألها: هل سلام لها ولزوجها ولأبنها؟ ...
وكانت الآجابة منها " سلام "، وعندما وصلت المرأة للنبي سجدت عند قدميه وبكت وطلبت منه أن يذهب معها ليرى أبنها،
وذهب معها أليشع ودخل عند الأبن وأغلق الباب وصلى من أجله، وفي هذا الوقت قام الولد من الموت، ودعا أليشع الأم
لتأخذ أبنها، فما كان منها إلا أنها سجدت عند قدميه لتشكره ." .
صفاتها :
ــــــــــــــ
1) كريمة : تعطي ماعندها بسخاء، كما انها تسر بالعطاء .
2) إضافة الغرباء : استضافت اليشع دون أن تعرفه، فلم تعرف أنه رجل الله إلا بعد استضافته (عدد 9 ) .
3) متواضعة : إن هذه المرأة كانت من الأغنياء ، فلديها الأرض والغلمان الذين يقومون بخدمتهم ومع ذلك كانت تقوم بنفسها بخدمة أليشع .
4) تقدم الخدمة دون إنتظار مقابل : لم تنتظر هذه المرأة مقابل أمام خدمتها لأليشع وعندما سألها ان تطلب منه شيئاً أو أحتياج، فأجابت انها لا تحتاج لشئ .
5) عدم التمرد والتذمر : كانت قانعة بما لديها بالرغم من الألم الذي تشعر به، فإن هذه المرأة كانت عاقر لا تنجب،
وكان هذا الوضع يفسره الشعب في ذلك الوقت بأنه غضب من الله أو قسوة عليها، وتشعر المرأة العاقر بالذل والأهانه،
فمثلاً نتذكر " حنة " عندما بكت بمرارة في الهيكل بسبب عدم قدرتها على الإنجاب ... و" راحيل " عندما فضلت الموت
عن حياة العقم . إن المرأة تشعر انها امرأة غير كاملة عندما تكون عاقر وحياتها تكون حزينة ومؤلمة، ومع ذلك نجد هذه
المرأة قانعة راضية ولا تتذمر وتشكو حالها، فعندما يسألها أليشع عن أحتياج لها تجيب بأنها تعيش في سلام ولا تحتاج لشئ ( عدد 13 ) .
6) امرأة تقية : تخاف الله وتحبه وتقبل منه الألم بكل سلام، وأروع مثال لذلك عندما مات أبنها، لم تتكلم بل قالت لكل
من سألها " سلام " وهذا ماكانت تشعر به في الداخل فهيّ تعرف أن كل ما يريده الله لها خير مهما كان صعب عليها .
7) حكيمة : تستطيع هذه المرأة مواجهة الكوراث بكل حكمة وتتصرف إزاءها، وهذه حالة فريدة، فالمرأة عادة لا
تتصرف في مثل هذا الموقف بل تنهزم وتنهار، ولكن هذه المرأة تصرفت بحكمة، وحرصت أن لا يعرف زوجها بالخبر،
فعندما سألها زوجها عن سبب ذهابها لرجل الله أجابت "سلام " ، لقد واجهت تلك المرأة الصدمة بشجاعة وصبر .
إيمانها قوي : هذه المرأة تتميز بإيمانها الشديد بالله فإن أول عمل قامت به هو اللجوء لرجل الله حتي يذهب معها
ويرى الصبي ويصلي له ... وهذا يدل على إيمانها في قدرة الله على إقامة أبنها من الموت .
ونجد إن هذه المرأة أصبحت مثال لنا نذكر اسمها كمثل للأيمان أمام أقسى التجارب التي من الممكن أن يمر بها الأنسان
9) شاكرة : عندما قام أبنها من الموت لم تنسى أن تشكر أليشع، إن الفرح الذي غمرها لم ينسيها الشكر لأستجابة طلبها .
ما نتعلمه :
ـــــــــــــــــــ
العطاء بسرور ومحبة، وتقديم يد المساعدة لكل محتاج، للغريب والمتعب والحزين والبائس.... وما أكثر هؤلاء الذين
يحتاجون للمساعدة والعطاء .
الله يجازي عن العطاء المقدم بمحبة، لقد أعطى الله للمرأة مكافأة لعطائها ولد، بل كان عطاء الله مضاعف حين أقامه من
الموت .
عدم إنتظار مقابل أمام خدمتنا وعطاءنا، بل يكون عطاءنا وخدمتنا نابعة من القلب وليس الغرض منها إنتظار خدمة مقابل خدمتنا .
التصرف بحكمة إزاء الظروف الطارئة والصعبة .
كل الأشياء تعمل معاً للخير للذين يحبون الله " ،عدم التذمر والشكوى من الظروف، فالله وحده هو العالم ببواطن الأمور،
ومهما حدث فهو خير لنا من عند الله، لذا علينا قبول الألم والتجربة بوداعة وتسليم كامل وخشوع لله .
اللجوء لله دائماً، فالله لا يترك من يلجأ إليه ويحتمي فيه، فيعطيه السلام ويجتاز معه في التجربة، مثلما أجتاز مع الفتية الثلاثة
آتون النار فلم تمسهم النار بسوء، هكذا يجتاز الله مع المؤمن التجربة فلا تحرقه نارها.
الشكر بعد استجابة الصلاة و مرور التجربة، إن كثيرين يلجأ لله في التجربة ويتمسك به ولكن عندما يستجيب الله للصلاة
وتمر التجربة بسلام وتنتهي ننسى أن نشكره على مساندته لنا، ولعلنا نتذكر قصة العشرة البرص ( لوقا 17 : 11 _ 19 )
، هؤلاء العشرة عندما رأوا يسوع صرخوا له حتى يشفيهم، وعندما شفاهم جميعاً لم يشكر يسوع سوى واحد فقط أما الباقي
فتركوه وذهبوا فرحين بشفائهم ونسوا أن يشكروه . إن الشكر أمر مهم فهو تعبيراً عن فرحنا بإلههنا الذي كان معنا وقت الشدة والألم .
ياالله ساعدني أن لا أفقد سلامي عندما أمر بتجربة أو بظروف صعبة، أجعلني ألجأ لك وأحتمي بك حتى تسير معي في آتون
التجربة، فأخرج منها منتصر شاكر لك، وقد تعلمت منها أمور جديدة ونضجت أكثر في حياتي الروحية معك .
آمين
"