" إنسان كان له ابنان فقال اصغرهما لابيه
يا ابى أعطنى القسم الذى يصيبنى من المال "
( لو 15 : 11 - 32 )
إذا كنت قد أخذت نصيبك من المال وأنفقته مع الخارجين . وعاشرت الفاسقين وأصحاب الخلاعة . وأتبعت اللذات والشهوات البدنية زماناً طويلاً . أفما حان لك أن ترجع الآن إلى ابيك وتقرع باب رحمته بالتوبة والاستغفار لكى يلبسك الحلة الاولى وخاتم الذهب . وتأكل العجل المسمن وتستريح من عذاب الغربة وأكل الخرنوب ورعى الخنازير ومكابدة ذل الخدمة . ما بالك لا نتهض من كسلك وتبادر إلى حضن ابيك قبل أن يغلق الباب . وتكون أنت خارجاً عارياً .
يا للعجب من كون هذا النازح عن أبيه . المخالف له زماناً طويلا . المبدد ماله مع الزوانى . كيف انه لما رجع وقرع باب رحمته أكرمه أبوه وجاد عليه بالملابس الفاخرة والأطعمة الشهية . وأنت قدير يرجع اليك أخوك المسيحى ويقصد منزلك بعد أن اضاع ماله فى عمل الخير فلا تلقاه كما ينبغى . ويسألك فلا تجيب السؤال . ويستعطفك فلا تصغى . ويعتذر لك فلا تسمع . ويخاطبك بصوت المذلة فلا ترحمه . هذا مع أنه قد لا يطلب منك إلا رغيفاً وقليلاً من الفضة . فكيف لو طلب منك حلة من الديباج أو خاتماً من الذهب ؟ وكيف إذا ارسل اليك الشيطان جنوده الذين يرقصون فى الملاعب ويتكلمون بما لا يليق . ويعد لك إذا قبلتهم الهلاك فى الجحيم فتبادر إلى اكرامهم بالعطايا . أما السيد المسيح فإنه عندما يرسل اليك أخوته المساكين ويمد اليك يده أمامهم . ويعد لك إذ قبلتهم الخلود فى النعيم . فانك لا تسمع له ولا تلتفت اليه .
إن المسيح يشبه رجلا بيده حلة نفيسة من الأرجوان مرصعة بالذهب والجواهر الكريمة . وهو يشير إلى العابرين قائلا : من قبل أحد عبيده فى الغربة كانت له هذه الحلة الثمينة . أما الشيطان فانه يشبه رجلاً من الخادعين بيده ثمرة مملؤة من السموم القاتلة وهو يبرزها ويصفها بانها من المآكل اللذيذة ويغر بمنظرها الجهلاء الغافلين . أفلا ترى كيف يتسابق الصبيان إلى هذه الثمرة الغاشة ولا يلتفتون إلى تلك الحلة الشريفة ؟
وإذا عرفت ان لك منزلين . أحدهما فى دار الدنيا . والآخر فى دار الآخرة . وانك ستفارق أحدهما بالضرورة عارياً من جميع مقتنياتك وتصير إلى الآخر وتكون فيه دائماً . فما بالك لا تقدر خيرك وتنزع هواك من قلبك وتحمل ذخائرك من دار غربتك إلى دار مقرك الابدى .
فإن قلت وكيف أنقل ذخائرى إلى هناك وأنا أذهب عارياً . أجبتك : قد قال المسيح أعطها لإخوتى المساكين . وأنا اعوضك عن جميعها بما لا يفنى . وليس بمثلها فقط بل عن الواحد أضعافاً كثيرة . وإن بخلت نفسك عن هذا العطاء وحاربك الشيطان ومنعك من الرحمة . فقل لنفسك معاتباً إياها . اليس انك يا نفس فى كل مناسبة تصنعين موسماً وتعدين وليمة للاصحاب وتنفقين كثيراً من المال فى ثمن الخراف والدجاج والفواكه مما لا ترجعين إلى غاية أكثر من طرحه فى القاذورات سريعاً . فما بالك لا تعدين وليمة لخالقك وموجدك من العدم وتكريمه بها مرة واحدة فى الأسبوع لكى يجازيك عن ذلك بسعادة الابد . فإن امتثلت النفس لهذا الرأى وعرفت الفوائد التى تحصل لها منه فاحسب لها ثمن نفقة هذه الوليمة الطاهرة . حيث لا تكون خراف ولا فواكه بل خبز وماء فقط . واجعل ذلك مرة من وقت لآخر لإقتقاد المحتاجين .
وللعجب من كون إلهنا له المجد جاد عليك بالنفس والجسد . وفضلك على جميع المخلوقات . وسلطك على جميع الحيوانات والمعادن والنباتات . وأعد لك سعادة الابد وأنت تبخل عليه باليسير مما أعطاك . يسألك المحتاج شيئاً يسيراً فترده فارغاً أو تعطيه بعض الأحيان كارهاً . وكيف لا نستحى من خالقنا عند ذلك ؟ ولماذا لا نذكر قول الرسول : " إن من يزرع بالشح فبالشح أيضاً يحصد " ( 2 كو 9 : 6 و 7 ) .
وما بالنا لا نتشبه بالمؤمنين الذين يحملون إلى بيعة الله من العشور والابكار والنذور والصدقات ما يفرج كربة المتضايقين ويكفى حاجات المرضى . والوافدين من الغرباء . والذين فى السجون . وخدام المذبح وغيرهم .
فسبيلنا أن نستيقظ من غفلتنا . ونجتهد فى نقل أموالنا إلى دار مقرنا الابدى عن يد إخوتنا المساكين . لنأخذ المجازاة من ربنا ومخلصنا . ذلك الذى له المجد إلى الابد . آمين